الابن الوحيد .. سعيد أم وحيد؟

أضيف بتاريخ: 09 - 11 - 2016

أشعر بالملل وحدي، أريد أن أجد مَن يمكنني أن ألعب معه، ومَن أتعارك معه، ومَن أشاركه أسراري، وأقول له أفكاري وأحلامي.

 وعندما أكبر من سيكون بجانبي في يوم زفافي، وماذا عن أطفالي، ألن يكون لهم أعمام أو عمّات؟ إنه شعور سيء ومؤلم أن تكون طفلاً وحيداً، تنظر إلى الآخرين وتجد أنّ للجميع إخوة وأخوات، وتجد نفسك مختلفاً عنهم، تريد أن تدعو الأصدقاء للعب وقضاء الوقت معك، حتى وإن قضوا ليلة للمبيت فسينتهي بك الحال وحدك.

أما الآخرون فقد ينظرون لك و”يحسدونك” فغرفتك مليئة بكل ما تتمنّى من ألعاب، ولا يُقال لك “لا”، وليس هناك مَن يضايقك أو يأخذ دورك على الكمبيوتر أو يقرّر ما تريد مشاهدته على التلفزيون، حياتك مسهّلة لك، وكل ما تتمناه هو في متناول يديك، فأنت الوحيد المدلّل، وحياة العائلة متمحورة حولك ووحدك بلا منافس.

أما الأهل فيشعرون بأنهم لم يتمّموا واجبهم على أكمل وجه، فطفلهم محروم، وهم أيضاً يفكّرون في المستقبل وبأنّ كل الحِمل سيُلقى على ابنهم الوحيد، هذا إن بقي معهم في نفس البلد وقد ينتهي الحال بهم في وحدة بعد أن يتزوج ابنهم ويرحل بعيداً عنهم, وقد يفكّرون بأنّ أحفادهم سيكونون قلّة وجمعاتهم ستكون مصغّرة.

ووسط كل تلك المشاعر التي يمرّ بها الأولاد وأهلهم فإنّ هناك واقعاً يواجهه كلّ من الطرفَين. فعلى الأهل أن يجدوا الطريقة المُثلى لتربية طفلهم الوحيد، وبأسلوب كي لا يُشار له من بعيد ويتمّ إلقاء اللوم على كونه وحيداً تبريراً لبعض من تصرفاته.

فتلك التي تبنت أسلوب أن تجعل ابنها يشعر أنّ حاله هو الأفضل، الوحيد الذي لا يزعجه الأخ ولا تضايقه الأخت، وقد عزّزت هذه الفكرةَ ملاحظاتُها لمدى الإزعاج الناتج عن زيارة بعض الأطفال لهم، وكيف يتعاركون ويُتلفون الألعاب، وارتفاع صوتهم وصراخهم المزعج. شعر هذا الوحيد بأنّ حاله أفضل وبأن الإخوة ما هم إلا مصدر إزعاج أو همّ.

أما الأخرى فعاشت في حسرة تندب حظّها بأنها لم تُرزق إلا بولد، وكانت تُظهر شغفها وشوقها للأبناء في كل مناسبة وفي أي مناسبة. أشعرت ابنها بأنه لا يكفي، وصرخت في أعماقها لإخوة أو أخوات له، لكنها لم تنل فزاد ألمها وحزنها، وانعكس هذا على بيتها وابنها فشعرت العائلة أنها ليست في حال أفضل وكانت تأمل بالتغيير.

يتصارع الأهل في أعماقهم في هذه الناحية،  فمنهم من يريدون المزيد من الأبناء ومنهم مَن هم مكتفون، ويعاني الأهل من ردود أفعال أبنائهم فمنهم مَن يُلِحّون ويصرّون على أن يكون لهم إخوة ومنهم من لا يهمه الامر.

قد يختار الأهل أن يكون لهم ابن وحيد، وقد يكون هو المصير المحتوم على غيرهم، مع أنني لا أؤيّد أن يختار الأهل هذا الاختيار. وعلى أي كان الحال فالمهمّ في الأمر أن يختار الأهل الطريقة المُثلى لتربية ابنهم، فهو الوحيد ولكن ليس هو صاحب القرار، هو المدلّل ولكن ليس هو الذي يستنفد المصادر المالية للأسرة ويُنهكها. هو المحبوب ولكنه محاط بمن يحتاجون إلى محبته، لديه الكثير من الأشياء ولديه الكثير ليشارك به ويوزّعه، هناك آذان صاغية له ولكنّ هناك وقتاً ليسكت ويسمع، ليس مَن ينافسه أو يتعارك معه في البيت ولكنّ هناك نشاطات ومواقف وأوضاع متنوّعة يتعرّض لها تعلّمه كيف يتعامل مع المنافسة والعراك.

قد يُشير الكثيرون للطفل الوحيد بأنه مدلّل وأنانيّ ومتمحور حول ذاته، ولكنّ الكثير من الحالات أثبتت أنهم في حال أفضل، فالأمر يعتمد على الأجواء والمبادىء والقيم التي يتربّى عليها الطفل سواء كان وحيداً أم لا أكثر من مجرد كونه الطفل الوحيد، فالخوف الزائد عن الحدّ والمبالغة في ردود الأفعال نحو الابن الوحيد قد يتسبّبان في ثغرات في سلوكه وتصرّفاته.

فإن كان طفلكِ وحيداً فلا تقلقي قد يكون في حال أفضل من غيره، ما عليك إلا ببذل المزيد من الجهد، فاقبلي هذه الحقيقة وتقبّليها وكوني شاكرة ممتنة لوجود هذا الطفل في حياتك حتى لو كان فقط واحداً، واخلقي له أجواء ومواقف من المشاركة فيها يتعلّم كيف يحبّ ويعطي ويتعامل مع المنافسة والعراك، ساعديه على تطوير صداقات حميمة، وأطلقيه محرّرة نفسك من الخوف الزائد عليه وسدّدي احتياجاته باعتدال، أحبّيه وقوّمي سلوكه كذلك.


error: Content is protected !!